فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حديث آخر: قال أبو داود: حدثنا محمد بن رافع، حدثنا إبراهيم بن عمر الصنعاني، قال: سمعت النعمان- هو ابن أبي شيبة الجَنَدي- يقول عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مَخمَّر خَمْر، وكل مُسْكِر حَرَام، ومن شرب مسكرًا بخست صلاته أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقًا على الله أن يُسقيه من طِينة الخَبَال». قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله قال: «صديد أهل النار، ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه، كان حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال». تفرد أبو داود.
حديث آخر: قال الشافعي، رحمه الله: أنبأنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها حُرمها في الآخرة».
أخرجه البخاري ومسلم، من حديث مالك، به.
وروى مسلم عن أبي الربيع، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مُسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر فمات وهو يُدْمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة».
حديث آخر: قال ابن وَهْب: أخبرني عمر بن محمد، عن عبد الله بن يَسار؛ أنه سمع سالم بن عبد الله يقول: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه، والمُدْمِن الخمر، والمنَّان بما أعطى».
ورواه النسائي، عن عمر بن علي، عن يزيد بن زُرَيْع، عن عمر بن محمد العُمَري، به.
وروى أحمد، عن غُنْدَر، عن شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة منَّان ولا عاق، ولا مُدْمِن خمر».
ورواه أحمد أيضًا، عن عبد الصمد، عن عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، به. وعن مروان بن شجاع، عن خَصِيف، عن مجاهد، به ورواه النسائي عن القاسم بن زكريا، عن الحسين الجَعْفِي، عن زائدة، عن بن ابن أبي زياد، عن سالم بن أبي الجعد ومجاهد، كلاهما عن أبي سعيد، به.
حديث آخر: قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة عاق، ولا مُدْمِن خمر، ولا منَّان، ولا ولد زنْيَة».
وكذا رواه عن يزيد، عن همام، عن منصور، عن سالم، عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، به وقد رواه أيضًا عن غُنْدر وغيره، عن شعبة، عن منصور، عن سالم، عن نُبَيْط بن شُرَيط، عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة منان، ولا عاق والديه، ولا مدمن خمر».
ورواه النسائي، من حديث شعبة كذلك، ثم قال: ولا نعلم أحدًا تابع شعبة عن نبيط بن شريط.
وقال البخاري: لا يعرف لجابان سماع من عبد الله، ولا لسالم من جابان ولا نبيط.
وقد روي هذا الحديث من طريق مجاهد، عن ابن عباس- ومن طريقه أيضًا، عن أبي هريرة، فالله أعلم.
وقال الزهري: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن أباه قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فَعَلقته امرأة غَوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت: إنا ندعوك لشهادة. فدخل معها، فطفقت كلما دخل بابًا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة ولكن دعوتك لتقع عَليّ أو تقتل هذا الغلام، أو تشرب هذا الخمر. فسقته كأسًا، فقال: زيدوني، فلم يَرِم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه.
رواه البيهقي وهذا إسناد صحيح. وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه «ذم المسكر» عن محمد بن عبد الله بن بَزِيع، عن الفضيل بن سليمان النميري، عن عمر بن سعيد، عن الزهري، به مرفوعًا والموقوف أصح، والله أعلم.
وله شاهد في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن».
وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا إسرائيل، عن سِماك، عن عِكْرِمَة، عن ابن عباس قال: لما حرمت الخمر قال أناس: يا رسول الله، أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية. قال: ولما حُوّلت القبلة قال أناس: يا رسول الله، أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143].
وقال الإمام أحمد: حدثنا داود بن مِهْران الدباغ، حدثنا داود- يعني العطار- عن ابن خُثَيْم، عن شَهْرِ بن حَوْشَب، عن أسماء بنت يزيد، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من شرب الخمر لم يَرْضَ الله عنه أربعين ليلة، إن مات مات كافرًا، وإن تاب تاب الله عليه. وإن عاد كان حقًا على الله أن يسقيه من طِينة الخَبَال». قالت: قلت: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «صديد أهل النار».
وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قيل لي: أنت منهم».
وهكذا رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من طريقه.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قرأت على أبي، حدثنا علي بن عاصم، حدثنا إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم وهاتان الكعبتان الموسمتان اللتان تزجران زجرًا، فإنهما مَيْسِر العَجَم». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
اللام جواب قسم محذوفٍ، أي: واللَّهِ، ليَبْلُونَّكُمْ، وقد تقدَّم أنه تَجِبُ اللامُ وإحدى النونَيْن في مثل هذا الجواب واللام في {لَيْبلونَّكُمْ} مفتوحة لالتقاء الساكنين.
قوله تعالى: {بِشَيءٍ} متعلِّقٌ بـ {لَيَبلُونَّكُمْ} أي: لَيَخْتبرنَّكُمْ بشيءٍ؛ وقوله تعالى: {مِنَ الصَّيْدِ}: في محلِّ جرٍّ صفةً لـ «شَيْء» فيتعلَّقُ بمحذوف، و«من» الظاهرُ أنها تبعيضيةٌ؛ لأنه لم يُحَرِّم صيدَ الحلال، ولا صيدَ الحِلِّ، ولا صيد البْحرِ، وقيل: إنها لبيان الجِنْسِ، وقال مكيٌّ: «وقيل «مِنْ» لبيان الجنس، فلما قال: {بِشَيء} لم يُعْلَمْ من أي جنْسٍ هو: فبيَّن، فقال: {مِنَ الصَّيْدِ}؛ كما تقولُ: لأعْطِيَنَّكَ شَيْئًا مِنَ الذَّهَب»، وبهذا الوجه بدأ أبو البقاء، ثم قال: «وقيل: إنَّها للتبعيض»، وكونُها للبيان فيه نظرٌ؛ لأنَّ الصَّحيحَ أنها لا تكونُ للبيان، والقائلُ بأنها للبيان يُشْترطُ أنْ يكونَ المُبَيَّنُ بها معرَّفًا بألِ الجنسيَّة؛ كقوله: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30]، وبه قال ابن عطيَّة أيضًا، والزَّجَّاج هو الأصل في ذلك، فإنه قال: وهذا كما تقولُ: «لأمْتَحِنَنَّكَ بِشَيْءٍ مِنَ الرِّزْقِ»، وكما قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30].
والمرادُ بالصَّيْد: المَصِيدُ، لقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} والصَّيْدُ إذا كان بِمَعْنَى المصدرِ يكون حدثًا، وإنما يُوصفُ بِنَيْلِ الأيْدِي والرِّمَاحِ ما يكونُ عَيْنًا.
قوله تعالى: {تَنَالُهُ} في محلِّ جر؛ لأنَّه صفةٌ ثانيةٌ لـ «شَيْء»، وأجاز أبو البقاء أن يكون حالًا: إمَّا من الصَّيْد، وإمَّا من «شَيْء»، وإن كان نكرة؛ لأنه قد وُصِفَ فتخصَّصَ، واستبعدَ أبو حيان جَعْلَه حالًا من الصَّيْد، ووجهُ الاستبعادِ: أنه ليس المقصودَ بالحديثِ عنه، وقرأ الجُمْهُور: {تَنَالُهُ} بالمنقوطةِ فوقُ؛ لتأنيثِ الجمع، وابنُ وثَّاب والنخعي بالمنقوطةِ من تحْتُ؛ لأنَّ تأنيثه غيرُ حقيقيٍّ.
{ليَعْلَمَ اللَّهُ} قيل: اللامُ متعلِّقةٌ بـ {لَيَبْلُونَّكُمْ}، والمعنى: ليتميَّزَ أو ليظهر لكم، وقد مضى تحقيقُه في البقرة، وأنَّ هذه تسمَّى لام كي، وقرأ بعضهم: {لِيُعْلِمَ} بضم الياء وكسر اللام من «أعْلَمَ»، والمفعول الأوَّل على هذه القراءة محذوفٌ، أي: لِيُعْلِمَ اللَّهُ عِبَادَهُ، والمفعول الثاني هو قوله: {مَنْ يَخَافُهُ} فَ «أعْلَمَ» منقولةٌ بهمزة التعدية لواحدٍ بمعنى «عَرَفَ» وهذا مجازٌ؛ لأنَّه تعالى عَالِمٌ لَمْ يَزَلْ ولا يَزَالُ، واخْتَلَفُوا في معناه، فَقِيلَ، يعامِلُكُم مُعَامَلَةَ من يَطْلُبُ أنْ يَعْلَمَ، وقيل: لِيظهر المَعْلُوم، وهو خَوْفُ الخَائِفِ، وقيل: هذا بِحَذْفِ المُضَافِ والتَّقْدِيرٌ: لِيَعْلَمَ أوْلِيَاءُ اللَّهِ من يَخَافُهُ بالغَيْبِ، وقِيلَ: ليرى اللَّه لأنَّهُ قَدْ عَلِمَهُ.
وقوله تعالى: {بالغَيْبِ} أي: يَخَافُ اللَّه ولمْ يَرَه، كقوله تعالى: {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب} [الأنبياء: 49] أي: يَخَافُون، فلا يَصْطَادُون في حال الإحرامِ، وكقوله تعالى: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: 3]، وقيل: معنى يَخَافُهُ بالغَيْبِ أي: بإخلاصٍ وتحْقِيقٍ، ولا يختلف الحالُ بسِبَبِ حضُورِ واحدٍ أو غَيْبَتِهِ، كما في حقِّ المُنَافِقِين الذين {إِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قالوا إِنَّا مَعَكْمْ} [البقرة: 14].
قوله تعالى: {بالغَيْبِ} في محلِّ نصب على الحال من فاعل {يَخَافُهُ}، أي: يخافُه مُلْتَبِسًا بالغيبِ، وقد تقدَّم معناه في البقرة [الآية 3].
والمعنى: من يخافُهُ حال كونهِ غَائبًا عن رُؤيتِهِ، كقوله تعالى: {مَّنْ خَشِيَ الرحمن بالغيب} [ق: 33].
وجوَّز أبو البقاء ثلاثة أوجه:
أحدها: ما ذكرناه.
والثاني: أنه حالٌ مِنْ «من» في {مَنْ يَخَافُهُ}.
والثالث: أنَّ الباءَ بمعنى «في»، والغيب مصدرٌ واقعٌ موقع غائبٍ، أي: يخافه في المكانِ الغائب عن الخَلْقِ، فعلى هذا يكونُ متعلِّقًا بنفْسِ الفعل قبله، وعلى الأوَّلَيْن يكونُ متعلِّقًا بمحذوفٍ على ما عُرِف. اهـ. باختصار.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم} قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلي الله به عباده في إحرامهم حتى لو شاؤوا تناولوه بأيديهم، فنهاهم الله أن يقربوه، فمن قتله منكم متعمدًا قال: إن قتله متعمدًا أو ناسيًا أو خطأ حكم عليه، فإن عاد متعمدًا عجلت له العقوبة إلا أن يعفو الله عنه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله: {ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم} قال: النبل والرمح ينال كبار الصيد، وأيديهم تنال صغار الصيد، أخذ الفروخ والبيض. وفي لفظ: أيديكم. أخذكم إياهن بأيديكم من بيضهن وفراخهن، ورماحكم. ما رميت أو طعنت.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد {ليبلونكم الله بشيء من الصيد} قال: ما لا يستطيع أن يرمي من الصيد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية، فكانت الوحش والطير والصيد يغشاهم في رحالهم، لم يروا مثله قط فيما خلا، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون {ليعلم الله من يخافه بالغيب}.
وأخرج ابن أبي حاتم من طرق قيس بن سعد عن ابن عباس. أنه كان يقول في قوله: {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}: أن يوسع ظهره وبطنه جلدًا، ويسلب ثيابه.
وأخرج أبو الشيخ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله قال: كان إذا ما أخذ شيئًا من الصيد أو قتله جلد مائة، ثم نزل الحكم بعد.
وأخرج أبو الشيخ من طريق أبي صالح عن ابن عباس قال: يملأ بطنه وظهره إن عاد لقتل الصيد متعمدًا، وكذلك صنع بأهل وج أهل واد بالطائف، قال ابن عباس: كانوا في الجاهلية إذا أحدث الرجل حدثًا أو قتل صيدًا ضرب ضربًا شديدًا وسلب ثيابه.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله: {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} قال: هي والله موجبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد. مثله. اهـ.